جريمة البلاغ الكاذب

المادة ( ٣٠٤ )

لا يحكم بهذا العقاب على من أخبر بالصدق وعدم سوء القصد الحكام القضائيين أو الإداريين بأمر مستوجب العقوبة فاعله.

المادة ( ٣٠٥ )

وأما من أخبر بأمر كاذب مع سوء القصد فيستحق العقوبة ولو لم يحصل منه إشاعة غير الإخبار المذكور ولم تقم دعوى بما أخبر به.

 جريمة المادة ٣٠٥ من قانون العقوبات هي جريمة الإبلاغ الكاذب بسوء القصد

تعريف البلاغ الكاذب:

جاءت المادة ٣٠٥ من قانون العقوبات لتجرم واقعة البلاغ كذباً عن أمر غير صحيح، ومن ثم يُعرف البلاغ الكاذب بأنه الإخبار عن واقعة غير صحيحة وهذه الواقعة تستوجب معاقبة مرتكبها ويكون الإبلاغ إلى الحكام القضائيين أو الإداريين بسوء قصد.

أركان جريمة البلاغ الكاذب

تقوم جريمة البلاغ الكاذب بتوافر عدة أركان علي النحو التالي:

١_ بلاغ كاذب.

٢_ الإبلاغ عن أمر مستوجب لعقوبة فاعله.

٣_ تقديم إبلاغ إلى أحد الحكام الإداريين أو القضائيين.

٤_القصد الجنائي

وسوف نتناول بالشرح والتحليل لكل من هذه الأركان

١ – البلاغ الكاذب

هو إخطار السلطات العامة بنسبة واقعة إلى شخص، وهو من حيث جوهره نشاط من شأنه علم السلطات العامة بواقعة ولم يستعمل الشارع المصري لفظ (أبلغ) بل كلمة (أخبر)، وقد جرى العرف القضائي على تسمية هذه الجريمة بالبلاغ الكاذب، ولم يشترط المشرع تقديم البلاغ من شخص معين،

كما لم يستلزم شكلا معينا في البلاغ، فيصح تقديم البلاغ في صورة تقديم شكوى من المجنى عليه أو من موظف عمومي بمناسبة تأدية وظيفته، ولا يشترط القانون فى جريمة البلاغ الكاذب أن يكون البلاغ مكتوبا فيعاقب المبلغ سواء أحصل التبليغ منه شفاهة أو كتابة.. وإذا حصل التبليغ بالكتابة فلا يشترط أن يكون محرراً بمعرفة المبلغ أو موقعا منه عليه أو أن يكون قد أرسل بمعرفته إلى الجهة المختصة.. ولا أهمية لشكل الكتابة ولا الصورة التي بلغت بها، ويصح تقديمها في صورة عريضة دعوى جنحة مباشرة وما إلى ذلك.

ولكن يشترط في جريمة البلاغ الكاذب أن يقدم البلاغ بمحض إرادة المبلغ أي يكون المبلغ قد أقدم على التبليغ وهو عالم به، وإلا فلا تقوم الجريمة فالشخص الذي يتهم بجريمة فيسندها إلى شخص آخر أثناء التحقيق دفاعا عن نفسه لا يعد مرتكبا لجريمة البلاغ الكاذب .

ويلاحظ أن التبليغ في جريمة البلاغ الكاذب يعتبر متوافرا ولو لــم يحصل التبليغ من الجاني مباشرة متى كان قد هيأ المظاهر التي تدل على وقوع الجريمة بقصد إيصال خبرها إلى السلطة العامة المختصة ليتهم أمامها

من أراد اتهامه بالباطل، ولا تتحقق تلقائية الإخبار فيمن يدلى بأقواله المتضمنة البلاغ الكاذب بناء على استدعاء السلطة العامة له، ولا يرتكب جريمة البلاغ الكاذب الشاهد الذي يضمن شهادته اتهاما كاذبا ذلك أنه لم يقص بأخباره من تلقاء نفسه ولكن بناء على استدعائه كشاهد.

الشريك في البلاغ الكاذب

متى تقدم شخص لأداء شهادة تعزيزاً لبلاغ كاذب سبق تقديمه من آخر، وكان ذلك بناء على تدبير سابق بين المبلغ والشاهد صح اعتبار الشاهد شريكاً بالاتفاق والمساعدة في جريمة البلاغ الكاذب مع سوء القصد التي  وعلى ذلك فقد قضت محكمة النقض بأن إذا كانت الواقعة الثابتة بالحكم هي أن المتهمين ” عمدة وأبنه ” صورا وقوع الحادثة موضوع البلاغ الكاذب، ونسبا زوراً وقوعها إلى المبلغ ضده قاصدين الإيقاع به فإن كلا منهما يكون مسئولا عن جريمة البلاغ الكاذب باعتباره فاعلا أصليا ولا يصح اعتبار العمدة مجرد شريك بحجة أن مباشرة إرسال البلاغ إلى المركز بعد أن قدمه إليه ابنه لم تكن إلا بحكم وظيفته ما دام هـو فــي أرتكبها المبلغ. الواقع المدير للبلاغ باتفاقه مع ابنه.

شرط أن يكون البلاغ مقدماً ضد شخص معين:

فيجب أن يكون البلاغ مقدما ضد شخص أو أشخاص معينين، ولكن ليس بشرط أن يكون البلاغ من مصرحا فيه باسم المبلغ عنه بل يكفي أن يكون ما في البلاغ من البيانات معينا بأي صورة للشخص المبلغ ضده إلا أن الجريمة تتحقق وإن خلا البلاغ الكاذب من اتهام صريح إلى شخص معين متى كان المبلغ قد أفصح أمام السلطة التي قدم إليها البلاغ عند سؤاله في التحقيق عن اسم المبلغ ضده

وتتطلب جريمة البلاغ الكاتب وجود مجني عليه نال الاعتداء حقه في الشرف والاعتبار، فإن لم يوجد فلا وجود تبعاً لذلك لحق ناله الاعتداء ومن ثم تنتفى علة التجريم، وتطبيقاً لذلك فلا يسأل عن بلاغ كاذب من أخبر عن  ارتكاب جريمة ما ولم يسند ارتكابها إلى شخص معين أو أسندها إلى شخص خیالي أو أسندها إلى شخص قد مات إذ لا وجود في جميع هذه الحالات لشخص ينسب إليه الحق المعتدى عليه،

ولا يرتكب جريمة البلاغ الكاتب من انهم نفسه كذباً بارتكاب جريمة ولكن إذا حرض شخص آخر على أن يتهمه كذبا( أي أن يوجه الاتهام إلى المحرض) فإن كلا منهما يسأل عن البلاغ الكاذب، فالفرض أن الإخبار قد وجهه شخص ضد أخر ، وذلك كاف لقيام الجريمة؛ وإذا كان المجني عليه راضياً بالاعتداء الذي نال شرفه، فذلك لا ينفي الجريمة ،،،

شرط أن يكون البلاغ كاذب :

” يجب أن تكون الوقائع التي تضمنها البلاغ مكذوبة لأن التبليغ عن الوقائع التي تستوجب المؤاخذة الجنائية أو التأديبية حق للناس بل هو واجب مفروض عليهم فلا تصح معاقبتهم عليه إلا إذا كانوا قد كذبوا فيه وتعمدوا ذلك الكذب فلا عقاب إذا كانت الوقائع التي تضمنها البلاغ صحيحة ولو كان المبلغ لم يقصد ببلاغه سوى الانتقام،

ولكن لا يشترط أن تكون الوقائع مكذوبة برمتها بل أن جريمة البلاغ الكاذب تتحقق ولو بثبوت كذب بعض الوقائع التي تضمنها البلاغ متى توافرت الأركان الأخرى للجريمة كما يكفى أن تكون هذه الوقائع قد مسخت كلها أو بعضها مسخاً من شأنه الإيقاع بالمبلغ ضده أو أن يكون المبلغ قد أضاف إلى الحقائق أموراً صبغتها جنائية أو أغفل ذكر بعض أمور يهم ذكرها. فإذا أدعى المبلغ في بلاغه أن المدعين بالحق المدني سرقوا منه مبلغ بالإكراه في الطريق العام وأن الإكراه ترك أثر جروح، ثم ثبت أن واقعة السرقة بالإكراه مكذوبة برمتها وأن الواقعة لم تكن إلا تعديا بالضرب عد البلاغ كذبا واستحق المبلغ العقاب

وعلى ذلك فإن ثبوت كذب الواقعة المبلغ عنها ركن من أركان جريمة البلاغ الكاذب بحيث يجب على الحكم بالإدانة أن يثبت كذب البلاغ

ولما كان القانون لا يعاقب على البلاغ الكاذب إذا لم يتضمن أمرا مستوجباً لعقوبة فاعله، وكان كذب الوقائع المبلغ عنها ركن من أركان جريمة البلاغ الكاذب بحيث يجب للحكم بالإدانة أن يثبت كذب البلاغ،

ولا يصح القول بأنه إذا عجز المبلغ عن الإثبات فإن بلاغه يعتبر كذبا، إذ العبرة في كتب البلاغ أو صحته هي بحقيقة الواقع اختصاص محكمة الموضوع بالفصل في كذب البلاغ: لما كان كتب البلاغ هو ركن من أركان هذه الجريمة فإن محكمة الموضوع هي المختصة بالفصل في صدق أو كذب البلاغ، ومن ثم فإن تقدير صحة التبليغ من كذبه أمر متروك لمحكمة الموضوع التي تنظر دعوى البلاغ الكاذب منى كانت قد اتصلت بالوقائع المنسوب إلى المتهم التبليغ بها وأحاطت بمضمونها وأن تذكر في حكمها الأمر المبلغ عنه

فروض جنحة  البلاغ الكاذب

في دعوي البلاغ الكاتب لا يخرج الأمر عن أحد الفروض الآتية:

الفرض الأول: إذا لم تكن قد أقيمت دعوى أو صدر حكم في شأن الواقعة موضوع البلاغ

تتمنع المحكمة التي تنظر جريمة البلاغ الكاتب بكل سلطاتها في تحرى عدم صحة الواقعة ثم تفصل في هذه الجريمة وفق ما يثبت لها بعد التحقيق الذي تجربه فإن تبين لها صحتها قضت بالبراءة وإن ثبت لها عدم صحتها قضت بالإدانة إذا توافرت سائر أركان الجريمة وتنظر المحكمة في عدم صحة الواقعة دون أن تنتظر صدور قرار من سلطة قضائية كانت أو إدارية ومن ثم لا يجوز لها أن توقف النظر في الدعوى وتكلف سلطة الاتهام إقامة دعوى أخرى في شأن الواقعة موضوع البلاغ للفصل في مدى صحتها ،،،

ويعني ذلك أن دعوى البلاغ الكاتب تكون مقبولة ولو لم يحصل أى تحقيق قضائي بشأن الواقعة الحاصل عنها التبليغ، وتتمتع المحكمة بكل السلطات في التحقيق في صحة الواقعة موضوع البلاغ وتتذرع بجميع وسائل الإثبات التي يرخص بها القانون،،،،

والقاعدة أن القانون لم يرسم طريقا خاصا للقاضي في تحري أدلة الدعوي، وتتمتع المحكمة بهذه السلطة ولو كانت الواقعة جناية ومن ثم تخطيء المحكمة إذا قضت بعدم قبول دعوي البلاغ الكاذب لأن الواقعة موضوعها جنابة لا تختص بها باعتبارها محكمة جنح … وإزاء هذه السلطة التي تتمتع بها المحكمة التى تنظر دعوى البلاغ الكاتب وهى سلطة يرتبط بها واجبها في تحقيق الواقعة موضوع البلاغ،

فإنه لا يجوز لها أن تستخلص من عجز المتهم عن إثبات صحة الواقعة الدليل القاطع على عدم صحتها، بل مازال واجباً عليها أن تحققها مستعينة في ذلك بالوسائل التي وضعها القانون تحت تصرفها

الفرض الثاني: أن ترفع دعوى البلاغ الكاذب بعد تحريك الدعوى الجنائية

إذا كانت الدعوى الجنائية في شأن الواقعة موضوع البلاغ الكاتب قائمة في الوقت الذي أقيمت فيه دعوى البلاغ الكاذب، ومن ثم يكون الفصل في كتب البلاغ مسألة أولية يجب البت فيها، ويتعين إيقاف دعوى البلاغ الكاذب حتى يفصل في الدعوى الأولى عملا بالمادة ۲۲۲ من قانون الإجراءات الجنائية، أي أنه يجب وقف دعوى البلاغ الكاذب حتى يتم الفصل في الدعوى الجنائية التي هي شأن دعوى البلاغ الكاذب.

الفرض الثالث: أن ترفع دعوى البلاغ الكاذب بعد صدور حكم بات

يدخل هذا الفرض في حجية الحكم الجنائي بصفة عامة، فإذا كان الحكم أو القرار بالإدانة وجب الحكم بالبراءة فى دعوى البلاغ الكاذب ويجب الحكم بالإدانة في هذه الدعوى إذا كان الحكم أو القرار قد صدر في موضوع البلاغ بالبراءة لعدم صحة الواقعة،

وبفرض توافر الأركان العامة الأخرى للبلاغ الكاذب ولكن إذا كان حكم البراءة بالنسبة لموضوع البلاغ قد بنى على عدم كفاية الأدلة عندئذ لا تكون له حجية أمام المحكمة التي ترفع إليها دعوى البلاغ الكاذب ،

وعلى ذلك فقد قضت محكمة النقض بأن الحكم الجنائي الصادر في جريمة من الجرائم إنما يقيد المحكمة التي تفصل في دعوى البلاغ الكاذب عن الواقعة التى كانت محل الجريمة من حيث ما سبق أن فصل فيه من صحة البلاغ وكذبه إلا أنه يلاحظ أنها قضت كذلك إن القضاء بالبراءة في تهمة السرقة لتشكك المحكمة في أدلة الثبوت فيها لا يقطع بصحة البلاغ المقدم عنها أو بكتبه،

ولذا فإنه لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب من أن تبحث هذه التهمة طليقة من كل قيد، ومن ثم فلا محل للنعي على الحكم المطعون فيه استناده إلى ما ثبت من قضية السرقة التي كان حكم البراءة فيها أدلة الثبوت وليس عدم وجود سند للاتهام أو عدم توافر قائما على الشك في قصد الإساءة.

الفرض الرابع صدور أمر بأن لا وجه أو حفظ في الدعوى من النيابة العامة:

للأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى حجيته إزاء سلطة التحقيق التي أصدرته، فلا يجوز لها الرجوع فيه ما لم يطرأ سبب لإلغائه، ويعني ذلك أن أي إجراء تحقيق تتخذه بعد إصدارها هذا الأمر يكون باطلا، وإذا أصدرت أمر إحالة بعد أمرها بأن لا وجه لإقامة الدعوى كان أمر الإحالة باطلا. وللأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى قوته أمام القضاء الذي تقام أمامه الدعوى بعد سبق صدور الأمر بأن لا وجه إذ تعد الدعوى غير مقبولة

وعلي ذلك فقد قضت محكمة النقض أن الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى هو أمر له حجيته التي تمنع من العودة إلى الدعوى العمومية ما دام قائما لم يلغ قانونا – كما هو الحال في الدعوى – فما كان يجوز مع بقائه قائما إقامة الدعوى عن ذات الواقعة التي صدر فيها لأن له في نطاق حجيته المؤقتة ما للأحكام من قوة الأمر المقضي ولو لم يعلن الخصوم

وقضت كذلك أنه ” لما كان البين من المفردات المضمومة أن الطاعن قدم أمام محكمة ثاني درجة مذكرة بدفاعه دفع فيها بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر من النيابة العامة في الشكوى رقم ٠٠٠ لسنة ١٩٨٢ إداري الشرابية وأن هذا الأمر ما زال قائما لما كان ذلك، وكان الأمر الصادر من سلطة التحقيق بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية له حجيته التي تمنع من العودة إلى الدعوى الجنائية ما دام قائما لم يلغ،

فلا يجوز مع بقائه قائما إقامة الدعوى عن ذات الواقعة التي صدر الأمر فيها لأن له في نطاق حجينه المؤقتة ما للأحكام من قوة الأمر المقضي لما كان ذلك،

وكان الدفع المبدي من الطاعن جوهرياً ومن شأنه – إن صح – أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى وكان الحكم المطعون فيه – على ما يبين من مدوناته – قد قضى بإدانة الطاعن دون أن يعرض البتة للدفع المبدي منه إيرادا له و ردا عليه يكون قد تعيب بالقصور الذي يبطله مما يتعين معه نقضه والإعادة وعلى ذلك فإذا كانت النيابة العامة قد أصدرت أمر بالحفظ في الدعوى بوصفها سلطة إدارية وليست سلطة قضائية أى قبل تحقيق قامت هي بإجرائه وفقا للقواعد المقررة في هذا الشأن بأن وصف بأنه أمر حفظ  فلا يكون له حجية أمام المحكمة التي تنظر دعوى البلاغ الكاتب ويكون واجب عليها أن تستظهر صبحة أو عدم صحة البلاغ.

الركن الثاني: أمر مستوجب العقوبة فاعلة

فيجب أن يكون الإخبار بأمر مستوجب العقوبة فاعلة وهذا مستنتج نص المادة ٣٠٤ عقوبات، ولكن لا يشترط للعقاب على جريمة البلاغ الكاتب أن يكون الفعل الذي تضمنه البلاغ المقدم معاقبا عليه جنائيا بل يكفي أن يكون مستوجباً لعقوبة تأديبية، ومن ثم فإن القانون لا يعاقب على البلاغ الكاتب إذا لم يتضمن أمرا مستوجباً لعقوبة فاعلة ويرى المستشار/ جندي عبد الملك، والدكتور / محمود نجيب حسنى أنه إذا لم يتضمن البلاغ الكاتب سوى إسناد أمر موجب لاحتقار المبلغ ضده أو الازدراء بـه فـلا جريمة ولا عقاب

ويري الدكتور محمود نجيب حسني كذلك أنه ” لا تقوم جريمة البلاغ الكاتب إذا نسب المتهم إلى شخص وصفاً عاماً أو تبع حكماً قانونيا أو أخلاقياً عاماً لا ينطوي على تحديد فعل يسند إليه كما لو نسب إليه أنه مزور أو سارق إذ القانون لا يعاقب على مثل هذا الوصف أو الحكم العام ولكن إذا أضاف المتهم إلى الوصف أو الحكم العام بيان الواقعة التي استخلصه منها كان كافيا لقيام الجريمة ويتعين أن تتخذ الواقعة صورة مادية، ومن ثم لا قيام الجريمة البلاغ الكاتب إذا نسب المنهم إلى المجني عليه حالة معينة كقوله أنه مجنون أو مريض

ونحن نري أنه في هذه الحالة – حالة الوصف بأن شخص سارق أو مزور ولو لم يعاقب القانون على هذا الوصف بمفرده، فإنها قد تشكل جريمة السب أو القذف على النحو سالف الذكر.

وتعتبر الواقعة مستوجبة العقوبة الجنائية إذا كانت خاضعة لنص تجريم ورد في قانون العقوبات أو أحد القوانين المكملة له. ولم يتطلب القانون في الواقعة جسامة معينة من حيث وصفها الجنائي: فيجوز أن تكون مخالفة أو جنحة غير عمدية أو مجرد شروع أو تنسب إلى المجني عليه باعتباره مجرد شريك فيها.

والعبرة في وصف الواقعة بأنها تستوجب العقوبة الجنائية إنما تكون بتطبيق القواعد القانونية، ولا عبرة باعتقاد المتهم إذا ابتعد عن حكم هذه القواعد وتطبيقا لذلك فإن قدم المتهم بلاغه معتقدا أن الواقعة إلى المجني عليه تستوجب عقابه ولم تكن مستوجبة ذلك وفقا أسندها التي للقانون، فلا تقوم الجريمة البلاغ الكاذب

ويجب حتماً على قاضى جنحة البلاغ الكاذب أن يستمع لدفاع المتهم وأن يحقق الأمر المخبر به تحقيقاً يقتنع هو معه بكذب البلاغ في الواقع أو عدم كذبه. ولا يمنعه من ذلك احترام مبدأ فصل السلطات وأن قاضي الجنح ليس له نظر الجنايات والتقرير بصحة وقائعها أو كذبها. فإذا حكمت محكمة الجنح الإستئنافية بعدم قبول الدعوى العمومية لأن البلاغ الكاذب كان عن جريمة هي جناية لا شأن لقاضى الجنح بها كان حكمها باطلا واجبا نقضه

الركن الثالث الجهة المقدم إليها الإبلاغ

1- ” يشترط القانون في البلاغ الكاذب أن يكون قد رفع إلى الحكام القضائيين أو الإداريين، وبعبارة أخرى أن يكون قد رفع إلى رجال السلطة القضائية أو السلطة الإدارية لأن هاتين السلطتين هما اللتان تملكان حق العقاب والتأديب، ويدخل في الحكام القضائيين قضاة التحقيق وأعضاء النيابة العامة والقضاة المدنيين والقضاة العسكريين ومأموري الضبط القضائي ويدخل في الحكام الإداريين كافة الرؤساء والحكام الذين لهم حق الرقابة على مرؤوسيهم ويمكنهم أن يوقعوا عليهم مباشرة جزاءات إدارية أو يتخذوا نحوهم إجراءات تأديبية كالوزراء ورؤساء المصالح والمديرين والمحافظين ووزارة الداخلية

” ولا يشترط أن يقدم البلاغ إلى الرئيس المختص مباشرة بل يكفى أن يكون قصد المبلغ تقديم البلاغ إلى الرئيس المختص ولو من طريق غير مباشر ومن هذا القبيل رفع البلاغ عن طريق النشر في الصحف على صورة خطاب مفتوح إلى الرئيس المختص بتحقيق الوقائع التي يتضمنها البلاغ ولكن لا عقاب على من يقدم بلاغاً كاذباً إلى إحدى السلطات الأهلية

الركن الرابع القصد الجنائي

القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب يتكون من عنصرين هما علم المبلغ بكذب الوقائع التي بلغ عنها وانتواؤه الإضرار بمن بلغ في حقه. وليس في قيام أحد هذين العنصرين ما يفيد قيام الآخر حتما. فإذا اكتفى الحكم بإثبات توافر نية الإضرار لدى المبلغ فهذا لا يكفي في إثبات قيام القصد الجنائي لديه، بل لابد من أن يعنى الحكم أيضاً بإثبات أن المبلغ كان يعلم وقت التبليغ أن ما اشتمل عليه بلاغة من الوقائع مكذوب.

ومن ثم فإن القصد الجنائي لجريمة البلاغ الكاذب هو قصد خاص فهو يفترض القصد العام أولا ثم يتطلب بعد ذلك توافر نية يقوم عليها القصد الجنائي وهى لية الإضرار وعلى ذلك فإن الركن الأساسي في جريمة البلاغ الكاذب هو تعمد الكذب في التبليغ مما مقتضاه أن يكون المبلغ عالما علماً يقينيا لا يداخله شك في أن الواقعة التي أبلغ بها كاذبة وأن المبلغ ضده برئ منها وأنه يلزم لصحة الحكم كذب البلاغ أن يثبت للمحكمة بطريق الجزم توافر العلم اليقيني ،،،

وأن تستظهر ذلك في حكمها بدليل ينتجه عقلا، كما أنه يشترط لتوافر القصد الجنائي في تلك الجريمة أن يكون الجاني قد أقدم على تقديم البلاغ منتوياً السوء والإضرار بمن أبلغ في حقه مما يتعين أن يعنى الحكم القاضي بالإدانة في هذه الجريمة ببيان هذا القصد بعنصرية  وتقدير توافر القصد الجنائي هو من شأن محكمة الموضوع التي لها الحق المطلق في استظهاره من الوقائع المطروحة عليها، كما أن البحث في كتب البلاغ أو صحته أمر موكول إليها تفصل فيه حسبما يتكون به اقتناعها

ويلزم الصحة الحكم أن يثبت للمحكمة بطريق الحرم توافر العلم اليقيني وأن المبلغ قد أقدم على البلاغ منتوياً السوء والإضرار بالمبلغ في حقه، وأن تستظهر ذلك في حكمها بدليل ينتجه عقلاً

. تسبيب الحكم القاضي بالإدانة

وفقا لنص المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية يجب أن يعنى الحكم القاضي بالإدانة في هذه الجريمة ببيان هذا القصد بعنصريه المذكورين وبإيراد الوقائع التي استخلص منها توافره فإذا اقتصر الحكم على بيان كتب الوقائع المبلغ بها، وعلى ذكر ما يفيد علم المبلغ بكتب إحداها،

فهذا لا يكفي وحده لإثبات توافر القصد الجنائي كما عرفه القانون، بل يجب أن يعرض الحكم أيضاً العنصر هام من عناصر هذا القصد وهو إثبات الغرض السيئ الذي رمى المبلغ إلى تحقيقه من وراء البلاغ الكاتب الذي قدمه. وفي إغفال الحكم ذلك قصور يعيبه ويوجب نقضه. وكذلك فإذا لم يتحدث الحكم الصادر بالإدانة عن علم المبلغ يكتب الوقائع التي أبلغ عنها ولا عن قصده من التبليغ في حق المبلغ ضده فهذا قصور فيه مستوجب لنقضه أيضا.

 أحكام محكمة النقض فى جنحة البلاغ الكاذب 

1 – جريمة التزوير في الأوراق الرسمية تتحقق بتغيير الحقيقة بطريق العش بالوسائل التي نص عليها القانون ولو لم يتحقق عنه ضرر بلحق شخصا بعينه لأن هذا التغيير نتج عنه حتما ضرر بالمصلحة العامة لما يترتب عليه من عبث بالأوراق الرسمية ينال من قيمتها وحجيتها في نظر الجمهور وليس من هذا القبيل إبلاغ الشاكي بأقوال تغاير الحقيقة في محاضر جمع الاستدلال والتحقيق الابتدائي لأن مثل هذا البلاغ بعد خبرا يحتمل الصدق والكذب ولا ينال كذبه من قيمة المحرر وحجيته ما دام أنه لا يتحد حجة في إثبات صحة مضمونه،

فإن الإدلاء في محضر الشرطة المشار إليه سلفا بالواقعة سالفة الذكر المغايرة للحقيقة – موضوع التهمة الأولى – لا تقوم به في حكم القانون جريمة التزوير في محرر رسمي أو الاشتراك فيها وإنما قد تقوم به جريمة البلاغ الكاذب إذا ما توافرت شرائطها .

(الطعن رقم ١٣٤٦٨ لسنة ٨٠ ق جلسة ١٨/٩/٢٠١١- لم ينشر بعد)

2- الإبلاغ بأمر كاذب مع سوء القصد هو مما ينطبق عليه حكم المادة ٣٠٥ من قانون العقوبات فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى باعتبار جريمة إبلاغ الشرطة بالإيصالات المزورة التي قارفها الطاعن جناية اشتراك في تزوير محرر رسمي وقضى عليه بعقوبتها يكون قد أخطأ تطبيق القانون بما في يعيبه ويوجب نقضه.

(الطعن رقم ٥٦٦١ لسنة ۷۸ ق جلسة ٢٨/١/٢٠١٠_ لم ينشر بعد)

3_من المقرر أنه يشترط لتحقق جريمة البلاغ الكاذب توافر ركنين هما ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها، وأن يكون الجاني عالما بكذبها ومنتوبا السوء والإضرار بالمجني عليه، وأن يكون الأمر المبلغ به مما يستوجب عقوبة فاعله، ولو لم يقم دعوى بما أخبر به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *